مسرح الحياة: أقنعة وراء الضباب
على خشبة الحياة، يرتدي كلّ مُمثلٍ قناعًا يُخفي وراءهُ مشاعره، ويُداري حقيقتَهُ خلف فلترٍ مُصطنعٍ يُشبهُ فلاترَ التطبيقاتِ الوهمية.
يتلاعبُ البعضُ بابتساماتٍ عريضةٍ تخفي قلوبًا سوداءَ كالليلِ، مُدّعينَ الحبّ دون ذرةِ صدقٍ. ويُغرقُ آخرونَ مشاعرَهم الدافئةَ في قناعٍ من الجليدِ، مُتخفينَ وراءَ برودةٍ مُصطنعة.
كلّ مساء، تتراقصُ الأرواحُ على إيقاعٍ مُتخبّطٍ ينشدُ تراتيلَ الأنانية. كلٌّ يُنشدُ لحنَ أنانيتهِ، بينما تتلاشى الألحانُ الحقيقيةُ تحتَ ضجيجِ الأقنعةِ. بسرعةِ الضوء، يتحوّلُ الصديقُ إلى عدوٍّ، والحبيبُ إلى غريبٍ.
أصبحت الثقةُ سلعةً نادرةً، تتأثرُ بغلاءِ الأسعارِ ونقص مياه،وتحوّلَ الحبّ إلى حكايةٍ خياليةٍ تُعرضُ في قوالب الريلز ، تجمعُ "لايكاتِ" المهمشينَ عاطفيًا الذين يتسولونَ مشاعرَ صادقةً على قارعةِ الواقعِ المرير.
بينما يصولُ الخداعُ ويجولُ مسيطرًا على المشهدِ دونَ مُنافسٍ.. وحدهُ عرندسُ الساحةِ، يُمارسُ سيطرتهُ المُطلقةَ..يبتسم بسرخية كأنه يقول:كم انت غبي أيها الإنسان !
في هذا المسرحِ العجيبِ المُتناقضِ المكتظّ بمشاعرَ المزيفةِ، تُصبحُ الحقيقةُ مُبهمةً، دربًا من الجنونِ أحيانًا. ويُصبحُ الصدقُ أمرًا مُريبًا، والمشاعرُ مُزيّفةً بذكاءٍ اصطناعيٍ بارعٍ.
هل نحتاجُ حقًا إلى المهديّ المنتظرِ، حتى في مجالِ المشاعرِ، لِيُنقذَنا من هذا الواقعِ المُظلم؟ ليُسقطَ الأقنعةَ ويُكسرَ الفلاترَ قبل فواتِ الأوان؟
في هذا زمنٍ ننتظرُ فيه إنسانًا شجاعًا يُجرّدُ الروحَ من زينتها المُزيّفةِ، ويُظهرها عاريةً على خشبةِ المسرحِ الإنساني..بدون قناع
أم أننا سنظلّ ندورُ في حلقةٍ مُفرغةٍ من التمثيلِ والخداعِ والأنانيةِ، حتى يسدلَ الستارُ على مسرحيةِ حياتنا المأساويةِ ببساطة؟
سيأتي جيلٌ بعدنا، يبحثُ في تاريخنا، ويطرحُ إشكاليةَ وجودنا: هل كنا حقًا بشرًا؟
وأنا أتساءلُ: أين ذهبتْ تلكَ القلوبُ الصافيةُ؟ هل رحلتْ مع الجدّاتِ قبل ظهور تطبيقات التواصل ؟ أم أنها ركبتْ قواربَ الموتِ، وغرقَتْ كلّها في بحرِ الزيفِ والنفاقِ؟
أم أنّ هناك بقايا من نورٍ وصدقٍ في هذا العالمِ المُظلمِ، ربما تنهضُ من رمادِنا يومًا ما؟
يبقى السؤالُ معلّقًا في الهواء، يتأرجحُ بين الأقنعةِ والفلاترِ، بين الإنسانِ وجانبهِ المظلمِ. بينما تستمرّ مسرحيةُ الحياةِ في عرضِها المُحزنِ المُليءِ بالنفاقِ.
فهل ستكونُ النهايةُ سعيدةً، أم مأساويةً أكثر من سقوطِ الأندلسِ وسبة ودمشقَ وبغداد؟
الجوابُ بيدنا. بيدِنا نحنُ، إنْ اخترنا خلعَ الأقنعةِ وكسرَ الفلاترِ، والعيشَ بصدقٍ وواقعيةٍ، بعيدًا عن الخداعِ والوهمِ..للنص بقية
0 تعليقات