التربية الدامجة هي التمثلات والإدراكات الاجتماعية نحو الإعاقة؟
تشكل التمثلات الاجتماعية عن الإعاقة واحدا من الحواجز التي يمكن أن تقف في وجه نجاح التربية الدامجة في مجتمع من المجتمعات. لذلك لا يمكن الحديث عن تنزيل مشروع هذه التربية، دون إثارة مشكل التمثلات والاتجاهات من الإعاقة،
والتفكير في اعتباره إكراها حقيقيا ينبغي البحث عن سبل تغييره.
ُ هذه البطاقة الموضوعاتية ت َ عنى بخطورة هذه التمثلات وصلابتها، وأهمية التسلح الكافي بمختلف الوسائل من أجل تغييرها، بل يمكن القول إن هذا التغيير هو جوهر التربية الدامجة.
ولما كانت التمثلات الاجتماعية للإعاقة نتاجا لمعلومات ومعارف خاطئة حول الشخص في وضعية إعاقة، ولما كانت هذه التمثلات أيضا هي دينامو الممارسات، فإن تغييرها ينبغي أن يرتكز على تصحيح المعارف، وعلى تقويم الممارسات أيضاك كمؤشرعلى تغييرها.
أهداف الموضوع
ترمي إثارة هذا الموضوع إلى التعريف بمفهوم التمثلات، وبكيفية تشكلها لدى الناس، من أجل القدرة على فهم بعض السلوكات، والتأثير فيها في الوقت نفسه، وتغييرها بما يسمح ببروز تمثلات واتجاهات جديدة.
وهكذا يمكن تحديد أهداف هذا الموضوع كالتالي:
تعرف مفهوم التمثل الاجتماعي ومحدداته؛
وتبين طبيعة التمثلات الاجتماعية حول الإعاقة والعوامل المشكلة لها؛
ومعرفة الآثار المترتبة عن تلك التمثلات بما في ذلك تأثيرها على التربية الدامجة.
الأسئلة الأساسية
• •ما المقصود بالتمثل الاجتماعي؟
• •ما هي التمثلات الاجتماعية السائدة حول الإعاقة؟
• •ما هي تأثيرات هذه التمثلات على حقوق الأطفال في وضعية إعاقة، وعلى التربية الدامجة؟
حول مفهوم التمثلات الاجتماعية
التمثلات الاجتماعية هي شكل من أشكال المعرفة الاجتماعية التي تشكلت جماعيا من طرف أعضاء مجموعة اجتماعية أو
ثقافية واحدة، وتم تقاسم هذه المعرفة كي تشكل طريقة في التفكير وفي الحكم وفي تأويل أحداث الواقع اليومي.
وهي بذلك تحدد علاقة هذه الجماعة بالعالم وبالآخر.
يعرفها مسكوفيتشي ، Serge Moscoviciصاحب نظريات التمثلات الاجتماعية، بأنها طريقة لتأويل العالم ولفهم الواقع
اليومي. إنها شكل من أشكال المعرفة الاجتماعية التي يقوم الفرد ببنائها لذاته بطريقة واعية إلى حد ما انطلاقا من
خبراته الماضية، وما يعيشه حاليا، وما يرغب في العيش عليه مستقبلا. هذه التمثلات تقوم في نهاية المطاف بتوجيه
ممارساته وسلوكه. لذلك كانت التمثلات تتضمن ثلاثة أبعاد: المعلومة، والاتجاه، ومجال التمثل.
وتلعب التمثلات مجموعة من الأدوار والوظائف، منها:
• •وظيفة معرفية، تسمح بإدماج معارف جديدة ضمن إطار التفكير القديم (استيعاب ومواءمة)؛
• •وظيفة تأويل وبناء الواقع، حيث يقوم الفرد أو الجماعة بتأويل المعطيات بما ينسجم مع الاتجاه (تحوير القيم، إيجاد
المبررات، تفادي التنافر المعرفي.)..؛
• •وظيفة توجيه السلوكات والممارسات، فالتمثلات تلعب دور المحدد لما ينبغي القيام به وما لا ينبغي فعله.
• •وهكذا يلاحظ أن التمثلات الاجتماعية ليست معطى ذهنيا فحسب، أي مجموعة من الصور الذهنية حول موضوع
اجتماعي ما، بل هي أيضا مواقف وجدانية وممارسات فعلية.
التمثلات الاجتماعية السائدة حول الإعاقة
أثبتت العديد من الدراسات في مجال علم النفس الاجتماعي في الثقافة الغربية وما يدور في فلكها، أنه يتم تضخيم
تقدير خصائص الفرد على حساب العوامل الخارجية التي تحيط بوضعيته، وذلك خلال محاولتها تفسير السلوك الإنساني.
وهذا ما يبرر أن أغلب المقاربات التي تناولت الإعاقة نحت هذا المنحى حيث ركزت على الفرد عوض محيطه.7
وهكذا ليس غريبا أن تسود المقاربة الطبية في المخيال الاجتماعي، وأن يتحدث الناس، وهم يتمثلون الشخص في وضعيةإعاقة، عن العاهة أو النقص أو العجز، وليس عن عدم قدرة المحيط على التكيف مع حاجاته الخاصة أو إمكانياته.
إن هذا التمثل الاجتماعي المبرر بمسؤولية الفرد واستقلاليته، يخفي موقفا إيديولوجيا مضمرا يتجلى في عدم مصداقية
مساءلة المحيط.
ويمكن القول أيضا إن صورة الشخص في وضعية إعاقة ضمن المخيال الاجتماعي، هي نتاج لسيرورة تاريخية. وبالتالي
فالصورة التي يحملها المجتمع اليوم عن المعاق، هي نتاج مجموعة من الأساطير والأحداث والتصورات التي تراكمت
عبر أحقاب (مثلا في القرن 17كان يتم عزل كل من هو مختلف عن الناس «العاديين» ويرفض من طرف المجتمع، من مثلا المرضى، والمنحرفين، والمتشردين، والحاملين لإعاقة. وفي المجتمع الإسلامي ومجتمعات أخرى تم ربط الإعاقة بالغضب الإلهي، وبالمس، وبالشيطان، والنحس، وبالأخطاء الأخلاقية التي ت َ ربط دائما بالمرأة.)
إن مثل هذه الصور الذهنية التي أفرزتها ظروف وفلسفات اجتماعية قديمة، ما تزال بقاياها مهيمنة إلى الآن في كثيرمن المجتمعات. وتأخذ تفسيرات خرافية وغريبة في المجتمعات المتخلفة ،8وتنحو في الغالب منحى سلبيا يدفع إلى
. Stigmatisation والوصمDiscrimination الحذر والعزل والميزأثيرات التمثلات حول الإعاقة على حقوق الأطفال في وضعية إعاقة وعلى التربية الدامجة
إن هذه التمثلات ترتكز في منطلقها على معارف غير عقلانية خرافية، أو في أحسن الأحوال على معلومات خاطئة. وهكذاتخلق اتجاهات ومواقف سلبية من الشخص في وضعية إعاقة، تتباين بين الشفقة والاستصغار (تمثل العجز والقصور،) أوالنفور (تمثل السوء،) الأمر الذي ينعكس على الموقف من دمج الشخص في وضعية إعاقة في الحياة العادية (مدرسة،
شغل، خدمات عامة، إلخ..)..
إن رفض الشخص في وضعية إعاقة واستصغاره لكونه مختلفا، يجعل من المجتمع يركز على إعاقته لا على إمكانياته التي لم يعمل المحيط على استثمارها وتوظيفها وتطويرها، بل يكتفي بطمسها وقتلها.
انطلاقا من هذا الاعتبار تبقى التمثلات الاجتماعية واحدة من معيقات التربية الدامجة للأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة،ومنهم الأطفال في وضعية إعاقة، لكونها تحجب النظر إلى إمكانيات الطفل في وضعية إعاقة وإلى قدرته على التعلم مع الأطفال الآخرين الذين يعتبرون «عاديين» 9في الفضاءات نفسها.
لذلك، وكما سيتم التركيز في كثير من عناصر هذا الدليل، يبقى تنزيل التربية الدامجة بالشكل التام والكامل رهينا بتغييرتمثلات المجتمع، وبالأخص الفاعلين التربويين من آباء، ومدرسين، ومديرين، وشركاء المدرسة، الذين هم بدورهم لا ينجون
من كماشة تلك الإدراكات الاجتماعية. ولكي يتم الاشتغال وفق منطق هذه التربية، ينبغي التحرك في اتجاه تحويل النظروالتمثلات من الطفل «المعاق» إلى البيئة المدرسية والأسرية المعيق
🔹🔹🔹🔹🔹🔹🔹
إقرأ المزيد :
-مبادئ التربية الدامجة
🔹🔹🔹🔹🔹🔹
المراجع
دليل المدرسين في التربية الدامجة للأطفال في وضعية إعاقة
0 تعليقات